تخرج محمد في جامعة القاهرة وطوال فترة دراسته التي تخطت خمس سنوات قابل عشرات الفتيات فمجتمع الجامعة معرض مفتوح للاختيار. وكرنفال تتسابق فيه الفتيات علي ارتداء أحدث الصيحات والتجمل باستمرار من أجل الفوز بعريس واستثمار الفرصة قبل أن تنتهي أفضل وأحلي الأيام وتجلس الفتاة في المنزل تنتظر فارس الأحلام وتصبح واحدة من عشرات الآلاف التي تنضم لطابور البطالة والعنوسة.
حصل محمد علي ليسانس الآداب بتقدير جيد حاول الحصول علي فرصة عمل في القاهرة الكبري وضواحيها إلا أن محاولاته باءت بالفشل. فقرر طرق باب آخر للرزق. وفي شرم الشيخ بدأ حياته وكغيره من آلاف الشباب عمل في غير تخصصة. تحمل ما لم يتحمله غيره حتي تحقق ما يصبو إليه. فعاد بعد ثلاث سنوات يملك شقة وسيارة ووديعة في البنك تدر عليه دخلا معقولا.
وفي ضاحية من ضواحي التجمع الخامس استطاع الحصول علي أحد المحال التي أعلن عنها جهاز المدينة للإيجار لمدة ثلاث سنوات فاقتحم مجالا لم يكن يرغبه إلا أن شروط الجهاز حددت له النشاط الذي يعمل فيه ليصبح "كوافير رجالي" بدرجة ليسانس انجليزي.
في البداية أحضر كوافير محترما كان يحصل علي ثلث المكسب. إلي جانب أجره اليومي بالاضافة للإكرامية التي كان سيمنحها له الذبائن أو يفرضها هو عليهم كغيره من آلاف الصنايعية في مصر. ولأن محمد رجل يخاف الله لم تعجبه أفعال "الحلاق" فقرر انهاء عمله وأحضر آخر بدلا منه ولم يكن احسن حالا من سابقه.. الخصال واحدة وكأنهم اتفقوا علي عمل واحد. فقرر أن يتعلم الصنعة إلا أن الكوافير الذي يعمل لديه فهم "الفولة" فقرر ألا يعلمه شيئا لكنه بالتصميم والإرادة وبعد شهور قليلة اصبح "صنايعي" بلغة أهل الكار وذاعت شهرته وجاءه رواده من أهل الصفوة بالتجمع الخامس.
حقق محمد كل ما يتمناه لكن ينقصه شيء واحد زوجة مخلصة ترعاه وتحفظه.. فقرر البحث عن رفيقة وتحول الكثير من زبائنه إلي "خاطبة" يبحثون له عن عروس ليعرضوها عليه في ميعاد الحلاقة كل أسبوع أو اثنين. ومن كثرة ما عرض عليه من فتيات أغلبهن جميلات افتقد إلي الاحساس باختيار الأفضل فظل مذبذبا يبحث طوال ثلاث سنوات لا يستقر علي رأي حتي ظن زبائنه انه غير جاد أو ربما غير مؤهل للزواج فتركوه يبحث وحده.. وكلما طلب من زبون مساعدته في ذلك أعرض عنه. بل واتهمه البعض في رجولته فاصابه اليأس والاكتئاب ولانه صادق وخلوق قرر وضع حد لذلك باختيار أول فتاة تصادفه.
ارتبط محمد بجارته في المحل "سميحة" التي كانت تتمتع بقدر كبير من الجمال دون مجرد السؤال عنها وعن أسرتها.. واكتفي فقط بمعيار واحد لم تدم فترة الخطوبة أكثر من شهر لم يستطع خلالها دراسة أخلاقها أو طبائعها وكان جمالها سيد الموقف حتي طلباتها التي أرهقته كثيرا رغم قصر المدة لم تلفت انتباهه. وفي ليلة رائعة وبحضور معظم زبائنه واحبابه تمت الزيجة التي دلت ديكوراتها علي ثرائه.. وللحق لم يبخل الزوج علي زوجته وأهلها ولم يكلفهم شيئا وتكفل بالشقة والاثاث والمهر والشبكة وحفل الزفاف وجاء ذلك علي هوي سميحة وأهلها. إلا أن ذلك كان بداية المشاكل له دون أن يدري فقد أظهرت اسرة زوجته الوجه القبيح لها طمعوا في الرجل وفي ثروته التي كونها من عرقه وتضحياته طوال ستة أعوام أو أكثر فاستنزفوه وحولوا ابنتهم إلي أداة لذلك.. وأقاموا معه في منزله لينفقوا ببذخ علي المأكل والمشرب والملبس.. ساعدهم علي ذلك ابنتهم التي استنزفت زوجها واعتقدت أن جمالها وحب زوجها لها سيكونان حائلا دون طلاقها أو حتي مجرد اغضابها.. إلا أنها تناست أنها ليست جميلة الجميلات وأن الجمال في أغلب الأحوال نسبي وان زينة المرأة في حسن أخلاقها. والأهم من كل ذلك أمانتها في بيتها وحفظها لأموال زوجها. ولأن الجمال وحده لا يكفي قرر "محمد" إنهاء تلك الزيجة غير نادم عليها وبدم بارد وأمام مأذون الحي العاشر قرر طلاقها غيابيا ومنحها كل حقوقها معتبرا ذلك خسارة قريبة وبسيطة أفضل من خراب بيته القادم لا محالة علي أيدي زوجته وأسرتها.