إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً- اللهم لا سهل إلا ماجعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن - إذا شئت - سهلاً، أسأل الله - سبحانه وتعالى بمنه وكرمه- أن يجعلني وإياكم ممن يطلبون العلم من المهد إلى اللحد وأن ينظمنا في سلك العلماء العاملين والطالبين للعلم ما بقي فيهم نفس يتردد أو عين تطرف.
أيها الأحبة: موضوعنا في هذه الحلقات وفي هذه الدروس المباركة هو علوم القرآن، علوم القرآن من الموضوعات التي قلَّ طردها في هذا الزمان وأصبحت شبه مهجورة في كثير من ميادين العلم وعلى أسماع الناس وهذا يؤكد علينا جميعاً طلب هذا العلم والسعي في دراسته وإحياءه في الناس؛ لأن العلم به- كما سيأتي إن شاء الله في درسنا- مهم جداً لمعرفة القرآن وحقيقـته، ومهم جداً للرد على المناوئين والشانئين والمشككين في كتاب الله- سبحانه وتعالى - وهو فرع من فروع الاعتقاد.
ثم أيها الأحبة العلم بالقرآن يقتضي أن يتعلم الإنسان علوم القرآن؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يفهم القرآن حق فهمه إلا بعد علمه بعلوم القرآن، وقد مر علي بن أبي طالب برجل يعظ الناس ويذكرهم فقال: أتعرف ناسخ القرآن من منسوخه؟ فقال: لا... قال: قم فإنما أنت ابن اعرفوني؛ يعني إنما تريد بموعظتك وكلامك الشهرة فقط لا غير؛ لأنه لم يتعرف على ناسخ القرآن من منسوخه .
ثم أيها الأحبة: هذا المجلس وغيره من مجالس العلم في هذه الأكاديمية وغيرها هو من مجالس الذكر التي تَحُفها الملائكة، وتغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، ويقال لأهلها بعد هذا المجلس: قوموا مغفوراً لكم، ويباهي الله - سبحانه وتعالى - بأهل هذا المجلس ملائكته، فنسأل - الله سبحانه وتعالى- أن يجعل مجلسنا من هذه المجالس وأن لا يحرمنا هذا الخير العظيم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
إن عادة أهل العلم- أيها الأحبة- هي أنهم يبدؤون كل علم بذكر مقدمات مهمة في ذلك العلم, فيا ترى ما هي هذه المقدمات التي يبدؤون بها. عادة عندما يعرفون الناس بذلك العلم وتكون مدخلاً لفهم ذلك العلم؟ وقد نظم هذه المقدمات وهذه المبادئ أحد الناظمين بقوله:
إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة
ونسبته وفضله والواضــــع*** الاسم الاستمداد حكم الشــارع
مسائل والبعض بالبعض اكتـفى*** ومن درى الجميع حاز الشـرفا.
هذه المبادئ هي المبادئ العشرة التي يبتدئ العلماء بها ذكر أو يقدم العلماء بها للعلوم التي يتحدثون عنها فمن عرفها- بتمامها وكمالها- فقد استوعب ذلك العلم ومن عرف تلك المقدمات وجملاً منها فقد عرف شيئاً يميز به هذا العلم عن غيره من العلوم.
هذه هي المبادئ العشرة لهذا العلم على وجه الإجمال.
{ ماهي أسماء القرآن وما حكمة تعددها؟ }
إن أسماء القرآن كثيرة جداً قد عد العلماء منها نيفاً وتسعين اسماً ومنهم من بلغها المائة ولكن أشهرها - كما يقول العلماء- القرآن والكتاب والذكر والفرقان والنور هذه الأسماء الخمسة هي أشهر أسماء القرآن وأشهر هذه الأسماء الخمسة كما تعلمون من خلال قراءتكم لكلام الله - سبحانه وتعالى - هو القرآن والكتاب ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص: 29]﴿تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ﴾ [يونس: 1] إلى آخره من الآيات التي ورد فيها ذكر اسم القرآن واسم الكتاب وحكمة تعددها - كما تعلمون - هو أن الشيء إذا كثرت أسماؤه دل على شرفه وعلو منزلته، فلعلو منزلة القرآن وعظم مكانته كثرت أسماؤه . ثم هذه الأسماء كل واحد منها يدل على معنى في ذاته وإن كانت جميعاً تتفق في أنها تدل على القرآن من حيث هو. أي أن هذه الأسماء كل اسم قد تضمن وصفاً للقرآن لم يتضمنه الاسم الآخر مع أنها جميعاً تدل على ذات القرآن الكريم.
ننتقل الآن إلى التعريف بعلوم القرآن:
كما قدمنا قبل قليل في المبادئ العشرة التي ذكرها العلماء لـكل فن نأخذها واحداً واحداً وقد قدمتم ذكر معرفة الحد وهو ما يمكن أن يطلق عليه باللغة المعاصرة: التعريف، فالتعريف بعلوم القرآن يتضمن التعريف بكلمة "علوم" لغة واصطلاحها وكلمة "القرآن" لغة وشرعاً والتعريف بـ"علوم القرآن" عَلَماً على فن معين؛ لأن عادة العلماء - رحمهم الله تعالى - أنهم إذا كان اسم الفن مركباً تركيباً إضافياً فإنهم يعرفون كل جملة من هذا المركب على حدة، ثم يعرفون المركب كاملاً مثل "أصول الفقه" مثلاً و"أصول التفسير" و"علوم القرآن" فهذه الموضوعات أو أسماء الفنون مركبة تركيباً إضافياً, إذن لابد أن نعرف كلمة "علوم" في اللغة والاصطلاح وكلمة "القرآن" في اللغة والشرع ، ثم نُعرِّف هاتين الكلمتين علماً على هذا الفن المعين.
فلنبدأ أولاً بكلمة "العلوم" , العلوم: جمع علم, والعلم - كما تعلمون- هو نقيض الجهل ويراد به إدراك الشيء على حقيقته ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة إذن العلم يطلق في الاصطلاح على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة مثل علم اللغة علم النحو علم الفرائض علم الأصول علم الفقه إلى آخره فكل واحد من هذه العلوم فيه مسائل وفيه قواعد كلية تجتمع في جهة واحدة.
ننتقل بعد هذا إلى تعريف القرآن في اللغة وتعريف القرآن في الشرع ولم نقل: في الاصطلاح لأن القرآن اسم شرعي والأسماء الشرعية ينبغي ألا يقال فيها: اصطلاحاً إنما تقال كلمة اصطلاحاً في الأسماء التي اصطلح العلماء عليها وأحدثها الناس وتصالحوا عليها أما الكلمات التي جاء بها الشرع فإنه يقال في تعريفها " تعريفها شرعاً" وكذلك كلمة القرآن فإنها كلمة شرعية.
وبالنسبة لتعريف كلمة "القرآن" في اللغة: العلماء بعد اتقاقهم على أنه اسم وليس بفعل ولا حرف اختلفوا هل هو جامد أو مشتق, والمعروف عند النحاة أن الجامد هو الذي لا يتصرف مثل كلمة أسد فإن كلمة أسد كلمة جامدة لا تتصرف يعني لا يأتي منها اسم الفاعل ولا اسم المفعول ولا فعل ونحو ذلك, فمنهم من يقول: إن كلمة القرآن اسم جامد ، هكذا وضعت علماً على القرآن الكريم وقد أخذ بهذا المذهب جماعة من أهل العلم وإن كانوا قلة , وآخرون وهم الكثرة وهم جمهور العلماء أن القرآن مشتق أي مشتق من مصدر أو فعل, وقد اختلف هؤلاء - القائلون بالاشتقاق- هل هو مشتق من مادة " قرن" فتكون النون فيه أصلية أو من مادة " قرأ", فبعض العلماء يرى أنه مشتق من " قرن" لأن القرآن قد قرنت سوره وآياته بعضها ببعض. وبعض العلماء يرى أنه مشتق من " قرأ" فالهمزة فيه أصلية والنون زائدة على وزن غفران اسم مصدر على وزن الغفران وهذا القول هو الذي عليه أكثر العلماء واختاره الزجَّاج من علماء اللغة واللحياني - رحمة الله على الجميع- هذا بالنسبة لتعريف القرآن في اللغة.
أما تعريف القرآن في الشرع: فإنه قد عرف بتعريفات كثيرة وهذه التعريفات كلها تصب في قالب واحد لكن كل واحد من أهل العلم يلحظ ملحظاً معيناً في تعريف القرآن الكريم لا يلحظه الآخر, والتدقيق في التعريفات وإعطاؤها أكثر مما تستحق ليس من طريقة السلف لأن السلف - رحمهم الله- كانوا يعنون بالحقائق أكثر من التعريفات فالتعريف- أيها الأحبة- إنما يراد به التوصل إلى معرفة حقيقة الشيء ولذلك كان السلف يعرفون بالمثال أحياناً ولا يضطرون إلى التعريف الذي يعرف عند المناطقة بالحد بمعنى أن يكون التعريف جامعاً لأجزاء المحدود مانعاً من دخول غيره فيه وعليه فنحن نختار هذا التعريف الذي نراه سهلاً وينطبق على القرآن الكريم انطباقاً جيداً.
فنقول في تعريف القرآن: هو كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم- المتعبد بتلاوته. هذا التعريف من عادة العلماء - رحمهم الله- أنهم إذا ذكروا تعريفاً للشيء يشرحون التعريف ويذكرون محترزاته فدعونا ننظر إلى شرح هذا التعريف وذكر محترزاته حتى نبين أنه منطبق على القرآن ولا يدخل فيه غيره.
فأما كلمة "كلام الله المنزل على محمد", "كلام الله": خرج بهذه الكلمة كلام الخلق من الملائكة والأنبياء والإنس والجن وغيرهم فإن كلام هؤلاء ليس هو كلام الله تعالى.
العبارة الثانية: من هذا التعريف "المنزل" خرج بهذا كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي ينزله مما استأثر الله بعمله أو مما ألقاه على ملائكته للعمل به.
العبارة الثالثة: "على محمد- صلى الله عليه وسلم" وهذا خرج بها ما أنزل على غير محمد - صلى الله عليه وسلم -من الأنبياء السابقين فقد أنزل الله - سبحانه وتعالى - على إبراهيم صحفاً وأنزل على موسى التوراة وأنزل على عيسى الإنجيل وأنزل على داود الزبور فهذه كتب أنزلت على رسل[أنبياء] سابقين ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه القرآن .
وأما قولنا: "المتعبد بتلاوته" فقد خرج به الحديث القدسي فإن الحديث القدسي كلام الله - سبحانه وتعالى - لكنه ليس متعبداً بتلاوته, وحتى نوضح هذه العبارة توضيحاً تاماً نقول: إن مرادنا بقولنا "متعبد بتلاوة" أمران:
الأمر الأول: أنه الذي يقرأ به في الصلاة فالمقصود بقولنا: المتعبد بتلاوته أي الذي نقرأ به في الصلاة دون ما سواه فنحن في صلاتنا لا نقرأ عند القيام إلا بالقرآن الكريم وهو الذي تعبدنا الله - سبحانه وتعالى - بقراءته في الصلاة.
الثاني مما نريده بهذه الكلمة: أن الثواب على تلاوته لا يعدله ثواب؛ ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله - سبحانه وتعالى - فله به حسنة والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: [الم] حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) وهذا الحديث كما تعلمون فيه ثواب عظيم لمن تلا القرآن وقرأه، هذا الثواب لا يناله إلا من قرأ القرآن لأنه أعلى الكلام وأجله وأعظمه وهذا الكلام يقودنا إلى التفريق بين الحديث القدسي وبين القرآن الكريم وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - فروقاً كثيرة بين القرآن وبين الحديث القدسي.
الفرق الأول: فهو أن القرآن وقع به التحدي وحصل به الإعجاز، التحدي بأن يأتوا بمثل القرآن أو أن يأتوا بعشر سور من مثله أو يأتوا بسورة من مثله أو حديث مثله أما الحديث القدسي فلم يقع به التحدي هذا هو الفرق الأول بين القرآن وبين الحديث القدسي.
الفرق الثاني: أن القرآن منقول كله بالتواتر فمن جحد حرفاً منه فقد كفر أما الحديث القدسي فمنه ما نقل بالتواتر وهو قليل جداً، ومنه - وهو الأكثر- ما نقل بالآحاد وقد تعرفت في مصطلح الحديث على الفرق بين المتواتر والآحاد والحديث القدسي بآحاده منه ما هو صحيح ومنه ما هو ضعيف ومنه ما هو حسن أما القرآن فكله متواتر قد أجمع المسلمون على تلقيه وعلى تواتر جميع ما فيه من كلمات وحروف حتى الضبط والشكل فيه مجمع عليه ومتواتر فيه .
الفرق الثالث : أن القرآن من عند الله لفظاً ومعنى أما الحديث القدسي فمعناه قطعاً من عند الله - سبحانه وتعالى - وإلا فكيف ينسبه النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى الله -جل وعلا أما لفظه فقد اختلف فيه لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث القدسي أو الرواة يذكرون في الحديث القدسي يقولون : عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه.
الفرق الرابع: القرآن لا ينسب إلا إلى الله فيقال قال الله - عز وجل- أما الحديث القدسي فيقال قال الله تعالى أو يقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه.
الفرق الخامس: أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون وسيأتينا - إن شاء الله- بحث هذه القضية في أحكام المصحف في آخر هذه الدروس - بإذن الله جل وعلا- أما الحديث القدسي فيمسه الطاهر وغيره حتى الجنب يجوز له أن يمس الكتاب الذي فيه أحاديث قدسية أو الورقة التي فيها أحاديث قدسية.
أيضاً من الفروق أما أن القرآن تحرم روايته بالمعنى أما الحديث القدسي فيجوز لمن عرف معناه أن يرويه بالمعنى.
ومن الفروق أيضاً التي ذكرها العلماء بين القرآن والحديث القدسي أن القرآن له رسم خاص معروف وقد اختلفوا هل يجوز لأحد أن يكتب القرآن بغير الرسم الذي وضع عليه في عهد عثمان - رضي الله عنه - أو لا ؟ هذا سيأتينا - إن شاء الله - في مبحث خاص في رسم القرآن الكريم.
أما الحديث القدسي فيكتب بأي صفة شاء الناس إذا كان ذلك مطابقاً للفظ النبي- صلى الله عليه وسلم- والمعنى المراد منه.
ومن الفرق التي تذكر في ذلك المقام أن القرآن تشرع له الاستعاذة عند التلاوة والبسملة في أول السور بخلاف الحديث القدسي فلا يشرع فيه ذلك.
ثم إن القرآن تسمى الجملة منه آية وتسمى جملة الآيات منه سورة أما الحديث القدسي فلا يسمى شيء منه لا آية ولا سورة. هذه جملة من الفروق بين الحديث القدسي والقرآن جر الحديث إليها ذِكْرُ الفرق بين القرآن والحديث القدسي من خلال التعريف الذي عرفنا به القرآن.
{ ما هو أفضل الكتب في علوم القرآن؟ }
الحقيقة أن الكلام على أفضل الكتب في علوم القرآن أو في تفسير القرآن ينبني على معرفة السائل, فإن السائل إذا كان من طلاب العلم المتمكنين يقال له: أفضل الكتب في علوم القرآن مثلا كتاب الإتقان في علوم القرآن للإمام جلال الدين السيوطي- رحمه الله تعالى- المتوفي في عام 1190 وإن كان الطالب من المبتدئين فهناك كتب معاصرة في علوم القرآن من أفضلها - فيما أرى- كتاب "مباحث في علوم القرآن" لشيخنا: مناع القطان وكذلك كتاب "دراسات في علوم القرآن" للشيخ الدكتور فهد الرومي، وكذلك نقول هذا الجواب في تفسير القرآن الكريم فإن تفسير القرآن الكريم إذا سئلنا عن أفضل تفسير نقول من السائل؟ وماذا تريد من التفسير؟ فإذا كان السائل من طلاب العلم المتمكنين قلنا له: تفسير الطبري. وإن كان من طلاب العلم المتوسطين قلنا له: تفسير ابن كثير. وإن كان من طلاب العلم المبتدئين قلنا له: عليك بتفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي أو التفسير الميسر الذي أصدره مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم .
{ متى نقول اصطلاحاً ومتى نقول شرعاً؟ }
يقال شرعاً في الكلمات التي وردت على لسان الشارع أو الشرع مثل كلمة الصلاة والزكاة والصوم والحج والقرآن غيرها من الكلمات التي جاء بها الشارع الحكيم فهذه يقال في تعريفها شرعاً لأن المراد معرفة الحقيقة الشرعية وأما إذا كانت الكلمة كلمة اصطلاحية يعني اصطلح العلماء عليها وجاءوا بها ليعرفوا شيئاً معيناً فنقول اصطلاحاً مثل كلمة علوم وكلمة صوم وكلمة فرائض مثلاً أو نحوها من الكلمات التي يذكرها العلماء في كتب العلم.
بعد أن عرفنا علوم القرآن أو عرفنا كل جزئية من هذا المركب وهو كلمة "علوم" وكلمة " قرآن" نأتي إلى تعريف علوم القرآن عَلَماً على هذا الفن المعروف عند أهل العلم وهو علوم القرآن ماذا نعني بعلوم القرآن؟ حقيقة لا بد أن نجلي هذه القضية في هذا المكان حتى نعرف العلم الذي سندرسه ولئلا يختلط علينا بعلوم أخرى ؛ لأن كلمة علوم القرآن يمكن أن تستعمل علماً على فن معين وهو الذي نريده في هذا المقام ويمكن أن تستعمل في معنى آخر، معنىً إضافياً وهو العلوم التي جاء بها القرآن فعلم العقيدة من علوم القرآن وعلم الفقه من علوم القرآن وعلم الفرائض من علوم القرآن لأن القرآن جاء بالدلالة عليها وعلم السلوك والتربية من علوم القرآن لأن القرآن حث على تعلمها وعلى العمل بها وبين قواعدها وأصولها فليس هذا هو المراد عندما نتحدث عن علوم القرآن إنما نريد به ما اصطلح عليه العلماء - رحمهم الله تعالى - ويمكن أن نختار هذا التعريف من بين تعريفات كثيرة ذكرها أهل العلم في هذا المقام فيقال في تعريف علوم القرآن:
مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وجمعه وقراءاته وناسخه ومنسوخه ومكيّه ومدنيّه ونحو ذلك, فهي مجموعة البحوث التي تدرس في هذا العلم ليعرف من خلالها القرآن كيف نزل؟ كيف جمع؟ كيف كتب؟ كيف ضبط؟ كيف كان حال ناسخه ومنسوخه؟ كيف أمثاله وقصصه؟ كيف رسمه؟ كيف تكون قراءته وعلى أي شيء؟ ما المراد بالأحرف السبعة؟ ونحو هذه المباحث التي يدرسها العلماء - رحمهم الله تعالى - في هذا الفن الخاص. وبهذا نكون قد ميزنا بين أمرين مهمين: علوم القرآن علماً على فن معين وهو الفن الذي سنتفرغ لدراسته في هذا الفصل الدراسي- نسأل الله التوفيق والسداد , وعلوم القرآن بمعنى العلوم التي دل عليها القرآن أو وردت في القرآن أو حث القرآن على تعملها فهذه ليست مرادة لنا في هذا الدرس.
{ هل هناك حديث قدسي موضوع؟ }
نعم كما أن هناك حديثاً نبوياً موضوعاً بمعنى أن هناك أحاديث وضعت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - كذلك هناك أحاديث قدسية وضعت في هذا المقام ولعل أخي السائل يراجع الكتب الخاصة بالأحاديث الموضوعة ككتاب "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام السيوطي وكتاب الشوكاني - رحمه الله - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ليعرف الأحاديث التي ذكرت نبويةً كانت أو قدسيةً وحكم عليها العلماء بالوضع لأن الوضاعين لا يفرقون عندما يريدون أن يكذبوا على النبي - صلى الله عليه وسلم- أو يكذبوا على الله -جل وعلا.
القضية الثانية من قضايا المبادئ العشرة التي تحدثنا عنها في أول هذه الحلقة لنُعرِّف بهذا العلم قلنا في المبادئ العشرة
إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة
ونسبته وفضله والواضــــع***
الحد والموضوع. الموضوع ما هو؟ موضوع كل شيء ما يبحث فيه فمثلاً موضوع الفقه ما هو؟ هو الأحكام الشرعية لأنه يبحث في الأحكام الشرعية الفرعية أحكام الصلاة أحكام الزكاة أحكام الصوم أحكام الحج. موضوع علم الطب ما هو؟ هو بدن الإنسان من حيث الحفاظ على سلامته ووقايته من الأمراض ومن حيث مداواته وشفائه. موضوع علوم القرآن هو القرآن الكريم من حيث بيان نزوله وجمعه ومكيِّه ومدنيِّه ورسمه وقصصه وأمثاله وناسخه ومنسوخه. وحقيقة القرآن ما هي؟ أنه كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي أوحاه إلى جبريل ونزل به جبريل - عليه الصلاة والسلام- على محمد - صلى الله عليه وسلم- فهذا هو موضوع علوم القرآن.
{ هل الأفضل أن أقول هذا مصحف عند الإشارة إلى كتاب الله تعالى أو هذا قرآن؟ }
لا مانع من الإشارة به بأي العبارتين أن تقول هذا مصحف فتريد الصحف والجلد والمداد ومجموع هذا كله أو تقول: قرآن تريد بذلك أهم ما في هذه الصحف وهو القرآن المكتوب الذي أنزله الله - سبحانه وتعالى- على نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم .
ننتقل بعد ذلك إلى القضية الثالثة من المبادئ، وهي ثمرة تعلم القرآن ، فقد ذكرنا
إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة
فيا ترى ما هي الثمرة التي نجنيها عندما ندرس علوم القرآن وعندما نحضر هذه الدروس وعندما نقرأ في الكتب المتخصصة في علوم القرآن الكريم ؟ إن الـثمرات كثيرة جداً، ولعلي أشير إلى أبرزها وأهمها.
فأما أول هذه الثمرات ، هي فهم معاني القرآن: إن الإنسان لن يفهم القرآن حق الفهم ولن يستفيد حق الاستفادة ولن يستطيع تفسير كلام الله - جل وعلا- على الوجه الصحيح اللائق بكتاب الله -جل وعلا- إلا عندما يتعلم علوم القرآن الكريم. فكيف يا إخواني يمكن لإنسان أن يفسر آية ولا يبين أنها ناسخة أو منسوخة!! كيف يمكن أن يعرف الفرق بين المكي والمدني! كيف يمكن أن يفسر آية وهو لا يدري ما سبب نزولها ! كيف يمكن أن يحمل آية من القرآن الكريم على سبب من الأسباب ولها سبب آخر مغاير! لذلك السبب الذي حملها عليه لا يدريه ولا يعلمه؟ لا يمكن للإنسان أن يقوم بهذا حقاً حتى يتعلم علوم القرآن ويعرف هذه البحوث التي سنتحدث عنها في دروسنا - بإذن الله سبحانه وتعالى .
الفائدة الثانية أوالثمرة الثانية التي يجنيها من يتعلم علوم القرآن: الدفاع عن القرآن ورد شبهات المغرضين حوله.
ذلكم أنه يتعرض القرآن كما يتعرض الإسلام ، بل يتعرض الرب - سبحانه وتعالى - لسب وشتم الخلق فالقرآن أيضاً يتعرض لشبهات يكيدها ويقولها الحاقدون عليه ومنهم المستشرقون في هذا العصر الذي ابتلي الناس فيه بكتاباتهم وابتلي المسلمون وبعض من يسمون بالمثقفين ممن لا يدرون العلم الشرعي ولا يعرفونه ولم يطلبوه من أماكنه الصحيحة بالتلقي عن هذه الكتب التي فيها دسٌّ كثير مثل الذي كتبه جولدتسيهر عن القرآن الكريم فقد تكلم وذكر شبهات كثيرة تنطلى على ضعاف العقول ومن كانت معلوماتهم في القرآن الكريم ضحلة.
من درس علوم القرآن حق الدراسة وفهم هذه العلوم حق الفهم فإن هذه الشبهات لا يمكن أن تنطلي عليه بل يمكن أن يكون الإنسان شجناً في حلوق هؤلاء وسهماً مسدداً في نحور هؤلاء يرد عليهم ويذب عن كلام الله - سبحانه وتعالى - كما فعل مثلاً الشيخ عبد الفتاح القاضي - رحمه الله تعالى- عندما رد على جولدتسيهر شبهاته المغرضة حول القرآن الكريم في كتاب مستقل في هذا الخصوص وكما فعل أيضا عبد العظيم الزرقاني في كتابه القيم مناهل العرفان في علوم القرآن عندما ختم كثيراً من بحوث علوم القرآن في كتابه القيم بذكر شبهات هؤلاء المغرضون ورد عليها رداً قوياً علمياً مأصلاً يعرفك بأهمية دراسة علوم القرآن.
الفائدة الثالثة من فوائد دراسة هذا الفن: أن يعرف الإنسان القرآن على حقيقته وكيف وصل إلينا ؛ لأن بعض الناس يقول: هل كتب القرآن بهذه الطريقة في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم؟ هل هذه الطريقة التي وصل القرآن إليها بها هي الطريقة التي كتب عليها القرآن تماماً سواءاً بسواء منقوطاً مضبوطاً بالشكل الفتحة والضمة والأحزاب والأثمان والأرباع والأجزاء وغيرها؟ إن معرفتك بعلوم القرآن تزيدك علماً بالكيفية التي وصل إلينا بها القرآن الكريم.
الفائدة الرابعة من فوائد تعلم علوم القرآن: إدراك الجهود التي بذلت في حق القرآن الكريم فهذا القرآن بذل المسلمون في حفظه والعناية به جهوداً عظيمة جداً لا يمكن للإنسان أن يعرفها إلا من خلال دراسته لعلوم القرآن الكريم. يكفي أن تجد في المبحث الواحد من مباحث علوم القرآن الكريم عشرات من الكتب: انظر مثلا في ناسخ القرآن ومنسوخه كم عدد الكتب التي كتبها العلماء منذ القرن الثاني الهجري إلى اليوم؟ إنها كتب كثيرة لا تكاد تقع تحت الحصر انظر إلى الكتب التي كتبت في نزول القرآن أو أسباب نزوله إنها كثيرة جداً وغير ذلك. فَتَعَلُمِنَا لعلوم القرآن يعرفنا بالجهود التي بذلت وبذلها علماء المسلمين في حفظ هذا القرآن والعناية به ولفت الأنظار إليه وبيان معانيه وإزالة كل مشكلة عنه. وعلى المسلمين أن يسلكوا نهج أسلافهم في العناية بالقرآن تلك العناية التي عني بها العلماء.
{ هل يجوز للشخص أن يفسر القرآن بدون تعلم علوم القرآن ؟ }
لا يجوز للمسلم أن يفسر القرآن وليس عنده علم بعلوم القرآن الكريم؛ لأن القرآن كلام الله-جل وعلا - ولا يجوز لأحد أن يتخوض في كلام الله - جل وعلا- دون بينة. قال الله - جل وعلا- ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 36] ومعنى قوله ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي لا تتبع ولا تقل شيئاً ليس لك به علم فلا يجوز للإنسان أن يتبع شيئاً ليس عنده به علم أو يقول شيئاً من دون علم فقال الله- جل وعلا -﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف آية: 33] قال العلماء إن الله - سبحانه وتعالى - قد رتب الآثام والذنوب في هذه الآية بدءاً من الأصغر وانتهاءً بالأعظم. فأعظم الذنوب وأجلها: القول على الله بغير علم, حتى المشرك الذي أشرك مع الله غيره لم يشرك إلا بعدما قال على الله بغير علم وجعل لهذه الآلة التي يعبدها من دون الله -جل وعلا- حقاً في العبودية وحقاً في الربوبية. فلا يجوز للمسلم أن يتخوض في تفسير القرآن دون أن تكون معه الآلة التي يعرف بها تفسير القرآن ويحق له بها أن يتكلم في تفسير القرآن، ومن أعظم الآلات في هذا الميدان هي تعلم علوم القرآن الكريم كما قلت لكم في مقدمة وفي مطلع هذا الدرس أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- مر على رجل يعظ الناس أي يعملهم في المسجد ويذكرهم فقال له: أتعرف ناسخ القرآن من منسوخه؟ قال: لا.. قال: اسكت يا هذا إنما أنت ابن اعرفوني. يعني: إنما قمت هذا المقام ليعرفك الناس فليس عندك علم تعلمه الناس لأنك لا تعرف ناسخ القرآن من منسوخه فقد يقرأ الإنسان آية ويفتي بمضمونها وهي منسوخة قد جاء في القرآن ما يزيل حكم هذه الآية.
{ هل يجوز الاستدلال بآية قرآنية بالمعنى إن نسيها؟ }
لا يجوز رواية القرآن بالمعنى ؛ لأن القرآن من القدسية والمكانة بحيث لا يجوز للإنسان أن يتلوه بالمعنى لكن لا يمنع أن يقول الإنسان وردت آية في القرآن مضمونها كيت وكيت أما أن يقول فيما معناه ويذكر الآية فإن هذا تحريف للقرآن والقرآن يجب أن يصان من حيث لفظه ومن حيث معناه أما إن قال: هناك آية في القرآن تدل على كذا فهذا لا شيء فيه؛ لأن الإنسان قد يحفظ معنى الآية بمعنى مضمونها يعني هناك آية في القرآن تحرم الزنا هناك آيات في القرآن فيها ذكر الوصايا العشر يجب على كل مسلم احترامها. بهذه الطريقة لا بأس أما أن يقول آية فيما معناها ويخلط الآية بألفاظها ومعانيها فهذا لا يجوز.
فضل علوم القرآن الكريم:
لست بحاجة إلى الإفاضة في هذا المقام لأن فضل الشيء بفضل ما فيه, فشرف العلم بشرف المعلوم والمعلوم في علوم القرآن هو القرآن, والقرآن كما تعلمون فضله لا ينكره أحد من المسلمين، بل إن القرآن هو كلام الله - سبحانه وتعالى - وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه - سبحانه وتعالى - فينبغي أن يُعلم أن فضل علوم القرآن متعلق بفضل القرآن الكريم فمن أراد أن يتعلم علوم القرآن فليستـشعر أنه إنما يريد بذلك تعلم القرآن الكريم.
ننتقل بعد ذلك إلى اسم علوم القرآن الكريم ؟
ماذا يسمى هذا العلم؟
هذا العلم يسمى علوم القرآن الكريم، ويسمى أيضا اسما آخر موجوداً عند أهل العلم وهو أصول التفسير أو قواعد التفسير , وقد ألف بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - كتباً في علوم القرآن الكريم سموها بهذا الاسم مثل كتاب الطوفي "الإكسير في علوم التفسير" ويقصدون بذلك علوم القرآن الكريم يسمونها علوم التفسير.
إذن له اسمان معروفان عند أهل العلم علوم القرآن وعلوم التفسير.
ننتقل بعد هذا- أيها الأحبة- إلى استمداد علوم القرآن الكريم ممَ يستمد هذا العلم ؟
يستمد هذا العلم من القرآن، ويستمد أيضاً من السنة ويستمد من أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم- فهذه هي المجالات التي نستمد منها علوم القرآن الكريم .
ثم ننتقل بعد ذلك إلى حكم تعلم القرآن الكريم.
علوم القرآن الكريم من فروض الكفايات. والمقصود بفروض الكفايات يعني إذا قام من المسلمين من يكفي بتعلم هذا العلم سقط الإثم عن الباقي فلا يلزم كل المسلمين أن يتعلموا علوم القرآن الكريم بل إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقي وهكذا يقال في سائر العلوم التي ليست من الضروريات فتعلم مثلا ما تقوم به صلاة الإنسان هذا فرض عين على كل مسلم؛ لأن كل مسلم مطالب بالصلاة في اليوم والليلة خمس مرات فيقال فيها: فرض عين أي فرض متعين على كل فرد من أفراد المسلمين أما إذا كان العلم واجباً على جماعات من المسلمين دون آخرين فيقال في حقه: فرض كفاية.
ثم ننتقل بعد هذا إلى نشأة علوم القرآن الكريم.
والحديث عن نشأة علوم القرآن الكريم طويل جدا وسنقسمه بين هذه المحاضرة والمحاضرات القادمة- إن شاء الله تعالى- لكن نقدم له ببعض المقدمات: هذا العلم موجود منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- فبدايته مع نزول القرآن الكريم؛ لأن المقصود من هذا العلم معرفة كيف نزل القرآن كيف أوحى الله سبحانه إلى جبريل؟ وكيف أنزله الله - سبحانه وتعالى - من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا؟ وكيف نزل به جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم؟ وكيف جمع الصحابة هذا القرآن ؟ وكيف كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يأمر الصحابة بكتابة القرآن ؟ من هنا بدأت علوم القرآن لكنها لم تكن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- مدونةً؛ لأنها كانت جزءاً من تاريخ هذا القرآن وتنزله, ولم يكن تدوين العلوم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- بل إن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن كتابة شيء سوى القرآن الكريم قال ( من كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه ) وذلك احتياطاً للقرآن لئلا يختلط بغيره وليضبط المسلمون كتاب الله - جل وعلا - دون أن يلتبس بغيره من كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم- أو مما يكون تفسيراً لهذا القرآن الكريم ثم استمر الأمر على ذلك في عهد الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- لأن الصحابة لم يدونوا شيئاً من علوم القرآن الكريم؛ أولاً: لأمية أكثرهم وثانياً: لقلة توافر أدوات الكتابة فقد كانوا يكتبون القرآن - الذي هو المقصود الأعظم- على اللخاب وعلى أوراق الشجر وعلى الجلود وعلى العظام والأكتاف وهذه الأدوات يصعب توفرها لكتابة ما سوى القرآن الكريم ثم أيضا انشغالهم بنشر الإسلام فلأجل ذلك كان الصحابة - رضوان الله عليهم- لم يكتبوا شيئاً من علوم القرآن الكريم لكنهم كانوا معنين بعلوم القرآن وكانوا حريصين أشد الحرص على ضبط علوم القرآن أشد الضبط ، استمع لابن مسعود - رضي الله عنه- وهو يقول: في الحديث الذي رواه البخاري عنه: " والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه " .
تصور هذه الدقة في معرفة ابن مسعود- رضي الله عنه - لعلوم القرآن يعرف الآية النازلة أين نزلت، ويعرف في أي شيء نزلت، ويعرف فيمن نزلت، ولو أنه يعلم أحداً أعلم منه بكتاب الله - سبحانه وتعالى - تبلغه الإبل لذهب إليه وهاجر في طلب العلم مما يدل على أنهم كانوا حريصين أشد الحرص على تعلم علوم القرآن وحفظ هذه العلوم بكل دقائقها فقد استوعبوها في صدورهم وحفظوها في قلوبهم ونقولها لهذه الأمة نقلاً تاماً لا يخلو منه شيء. وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- الذي كان يثني عليه عمر بن الخطاب بقوله قضية ولا أبا حسن لها، يقول علي - رضي الله عنه - وهو على المنبر: "سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم واسألوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل" تصوروا - أيها الإخوة- كيف أن الصحابة- رضوان الله تعالى عليهم- كانوا شديدي العناية بمعرفة حتى أماكن نزول القرآن على السهل والجبل في الليل والنهار في الصيف والشتاء في الحرب أو السلم أو غير ذلك فما بالكم ببقية علوم القرآن الكريم من الناسخ والمنسوخ والقصص والأخبار والأحكام والأمثال وغيرها, ومما يؤكد ذلك أن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- اشتهر منهم بالتفسير جماعة ونقل عنهم هذا التفسير. فممن نقل عنهم هذا التفسير: أبو بكر - رضي الله عنه- وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وهو أشهر من نقل عنه التفسير حتى يكاد تفسيره أن يكون شاملاً للقرآن كله ومنهم أيضا ابن مسعود وأبيُّ بن كعب وأبو موسى الأشعري وزيد بن ثابت وعائشة - رضي الله تعالى عنها- وعبد الله بن الزبير هؤلاء كلهم ممن نقل عنهم في التفسير واشتهر عنهم الرواية في تفسير القرآن مما يدل على أنهم كانوا معنين أشد العناية بفهم القرآن والعناية به ولم يكن تفسيرهم تفسيراً مجرداً للمعاني بل كان يتضمن ذكر الغيب ويتضمن مكان النزول وسبب النزول وموضوع الآية والأمثال والقصص وغير ذلك.
{ هل يعد علم التجويد من علوم القرآن ؟ }
نعم هو بالمعنى العام من علوم القرآن لكن العلماء - رحمهم الله تعالى - اصطلحوا على إفراد علم التجويد بفن مستقل ولذلك يدرس علم التجويد مستقلاً عن علوم القرآن الكريم فنجد أن المؤلفات التي ألفت في علوم القرآن لا تتضمن الدروس المعروفة في علم التجويد وذلك؛ لأن التجويد علم يتصل بالأداء وكيفيته وطرائق قراءة القرآن الكريم والطريقة النبوية لتلاوة كلام الله - سبحانه وتعالى - ولأنه طويل وفيه ذيول وأبواب وفصول مختلفة فإن العلماء جعلوه علماً مستقلاً لكنه في الجملة يدخل من حيث العموم في علوم القرآن الكريم.
{ أحسنت يا فضيلة الشيخ ، لو تكرم بإعادة هذه الأبيات لأن لي عدة أسئلة؟ }
إن مبادئ كل علم عشــــرة *** الحد والموضوع ثم الثــمرة
ونسبته وفضله والواضــــع*** الاسم الاستمداد حكم الشــارع
مسائل والبعض بالبعض اكتـفى*** ومن درى الجميع حاذ الشـرفـا
{ فوائد تعلم علوم القرآن الكريم جملة؟ }
فوائد تعلم علوم القرآن الكريم التي قدمناها لكم كثيرة جداً ولكن نلخص منها هذه الخمسة أولا: فهم معاني القرآن فلا يمكن أن يفهم القرآن حق الفهم من لم يتعلم علوم القرآن الكريم.
الثاني: الدفاع عن القرآن ورد شبهات المغرضين نحوه.
الثالث: درء التعارض وحل المشكل، فإنه قد ترد أحيانا أشياء يظن الإنسان أنها متعارضة في القرآن الكريم ومشكلات لا يستطيع الإنسان أن يفهمها لضعف علمه بعلوم القرآن الكريم فإذا تعلم علوم القرآن الكريم ذهب ذلك التعارض الذي وقع في قلبه واندفع الإشكال.
الرابع: المعرفة التامة بالقرآن وكيف وصل إلينا والطريقة التي وصل القرآن إلينا بها.
الخامس: إدراك الجهود التي بذلت لحفظ هذا القرآن الكريم وبيان جميع مضامينه ومعانيه وما فيه وأن الأمة قد عنيت بذلك أتم العناية فعلى المسلمين جميعاً أن يواصلوا العناية بالقرآن فإنه لا عز للمسلمين ولا رقي لهم ولا مجد إلا بالذي حصل لأوائلهم فمتى عدنا إلى هذا القرآن عاد إلينا بالخير قال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ).
وانظروا إلى حالنا - أيها الأحبة- لما نبذ المسلمون في هذا العصر القرآن وطرحوه خلف ظهورهم واتجهوا يبحثون عن فتات موائد الأمم الأخرى ساروا من أراذل الناس ومن أقل الأمم ومن أهونها على الخلق, ولما كانوا في الزمن السابق مهتمين بالقرآن عاملين به متعلمين له يدورون حيثما دار كانوا أصحاب عز وأصحاب رقي وأصحاب حضارة في الدين والدنيا وكان لهم من وراء ذلك الأجر الأخروي العظيم الذي لا يقدر مقداره ولا يعلم منتهاه إلا الله - سبحانه وتعالى .
{ هل لا بد من معرفة مبادئ اللغة قبل دراسة علوم القرآن ؟ }
قبل دراسة علوم القرآن لا يلزم الإنسان أن يكون متبحراً في اللغة لكن لا بد له أن يعرف قدرا من اللغة يستطيع به الخوض في علوم القرآن الكريم أما إذا كان يريد أن يفسر القرآن فلا بد أن يكون متمكنا في اللغة العربية لأن تفسير القرآن ينبغي على الإنسان فيه أن يكون عارفاً باللغة التي نزل بها أما علوم القرآن فلا يلزم فيه ذلك يعني يكون متبحراً متمكناً في اللغة العربية لكن يلزمه أن يكون عنده قدر أولي من علوم اللغة يستطيع به فهم مصطلحات هذا العلم ومعرفة مراميه مثلا إذا جاء إلى كلمة " النسخ " النسخ في اللغة ما معناه هذا يحتاج إلى علم باللغة إذا جاء إلى كلمة " مثل " هذه الكلمة لها معانٍ في اللغة ولها معاني عند البلاغيين ينبغي على الإنسان أن يكون عنده علم بهذه المعاني حتى يستطيع أن يفهم هذا العلم على صورته الصحيحة وحقيقته اللائقة.
{ أرجو توضيح الفرق بين تعريف القرآن وبين المصحف؟ }
القرآن الكريم: هو كلام الله - سبحانه وتعالى - الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم- فالقرآن هو ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ* الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
أما المصحف: فهو فهذه الأوراق التي بين أيدينا قد كتب فيها القرآن الكريم فالورق والجلد والمداد وغير ذلك والتجليد هذا كله يسمى مصحفاً لكن لا يسمى الجلد مثلا قرآناً إنما القرآن هو ذلك الكلام الموجود داخل المصحف.
فالمصحف عبارة عما فعله الناس وقام به الناس ولذلك المصاحف تنسب إلى الناس أما القرآن فلا ينسب إلا إلى قائله وهو الله - سبحانه وتعالى - المتكلم به جل وعلا.
{ ما هي المدارس التفسيرية في عهد التابعين؟ }
قد قدمنا قبلُ في نشأة علوم القرآن وقلنا: إن علوم القرآن وجدت مع وجود القرآن لكن لم تكن مدونة في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- بل ولا في عهد الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- وفي عهد التابعين بدأ تدوين علوم القرآن وذلك عندما بدأ تدوين الحديث النبوي وهذا ما سنتحدث عنه - إن شاء الله- في الحلقة القادمة على وجه التفصيل.
لكن قبل هذا تكونت عند التابعين الذين تلقوا العلم عن الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- تكونت مدارس, هذه المدارس سببها أن الصحابة تفرقوا في الأمصار كل منهم قد سلك مسلكاً ونهج منهجاً يبلغ به دين الله - سبحانه وتعالى - ويقدم لهذا الدين ما يستطيع أن يقدمه من خدمة ومن الصحابة من كان مهتماً بالقرآن عالماً به متمكناً فيه متبحراً كما كان عليه الحال عند ابن عباس - رضي الله عنهما- وعند عبد الله بن مسعود وعند أبي بن كعب -رضي الله عنهم- فهؤلاء الثلاثة تفرغوا لتعليم القرآن ونشر علومه ولذلك نشأت هذه المدارس الذي يسميها المعاصرون مدارس التفسير ففي مكة جاءت مدرسة التفسير المكية مدرسة ابن عباس - رضي الله عنهما- لأن ابن عباس استقر في مكة فلزمه جملة من الطلاب ممن تلقوا عنه تفسير القرآن وتلقوا عنه علوم القرآن ومن أبرز هؤلاء مجاهد بن جبر الذي إذا جاءك التفسير عنه فحسبك به كما قال سفيان الثوري ؛ لأنه كان قد عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات يوقفه عند كل آية يسأله عنها ومنهم سعيد بن جبير - رضي الله عنه ورحمه الله- ومنهم أيضا عكرمة مولى ابن عباس الذي كان ابن عباس يعلمه علوم القرآن وكان في بداية الأمر يربطه على تعلم علوم القرآن حتى صار من كبار علماء القرآن ومنهم طاووس بن كيسان اليماني وعطاء بن أبي رباح هؤلاء هم أشهر تلاميذ هذه المدرسة المكية أما المدرسة الأخرى فهي مدرسة المدينة الذي كان إمامها وسيدها أبي بن كعب - رضي الله عنه- فأبي بن كعب استقر في المدينة ولزمه جملة من الطلاب أشهرهم زيد بن أسلم وأبو العالية الرياحي ومحمد بن كعب القرظي وهؤلاء من أشهر من روي عنهم التفسير وروايتهم في التفسير مبسوطة في كتب التفسير المأثورة.
{ إن كثيراً من مدارس تعليم القرآن يركزون على التجويد ويهملون قضايا التفسير ودراسات علوم القرآن؟ فما توجيهكم؟ }
{ ما هو الفرق بين تفسير القرآن وعلوم القرآن ؟ }
هذه الملاحظة صحيحة ويراها كل إنسان ويلمسها في الواقع وهي أن عناية كثير من حلقات التحفيظ والمحفظين منصبة على تعليم الناس تلاوة القرآن الكريم دون تعليم الناس فقه القرآن وفهمه وتدبره وغرس هذا الأمر في نفوس الناس وهذا مخالف للطريقة التي كان عليها أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول أبو عبد الرحمن السلمي وهو من تلاميذ عبد الله بن مسعود حدثنا الذين كانوا يقرؤون القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا العلم والعمل والقرآن جميعا.
تصورا - أيها الأحبة- أنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا العلم والعمل والقرآن أي والتلاوة مما يدل على أنهم كانوا يمزجون هذه العلوم. وأبو سعيد الخدري وغيره من الصحابة ذكروا أن هذه الطريقة التي تلقوا بها القرآن وهو أنهم كانوا يتلقون القرآن شيئاً فشيئاً حتى يتعلموا القرآن تعلماً حقيقياً بألفاظه ومعانيه بل إن نزول القرآن منجماً على حسب الحوادث والوقائع ولم ينزل جملة واحدة من السماء للنبي- صلى الله عليه وسلم- من أجل هذه الحكمة قال الله - سبحانه وتعالى - ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ [الإسراء: 106]، من أجل أن يفهمه الناس، وقالوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان: 32]. إذن فالحكمة العظمى من إنزال القرآن منجماً هي أن يفهم الناس كلام الله - جل وعلا- ويتدبروا معاني هذا القرآن. ابن عمر بقي ثماني سنين في سورة البقرة ليس لأنه لا يستطيع تلاوتها فهؤلاء عرب أقحاح يقرؤون القرآن غضاً طرياً كما أنزل لكنهم كانوا يتأملوا المعاني ويتدبرون القرآن حق التدبر وكذلك روي مثل ذلك عن عمر وعن غيره من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقول ينبغي أن تتوجه العناية إلى تدبر معانيه كما كان عليه السلف الصالح- رضوان الله عليهم- وأن نعود بالناس إلى الطريقة السلفية فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
{ هل هناك فرق بين تفسير القرآن وعلوم القرآن؟ }
في أول الأمر كان تفسير القرآن جزءاً من علوم القرآن ثم بعد ذلك انفك هذان العلمان لماذا؟ لأن علم تفسير القرآن أصبح علماً مستقلاً حيث إنه تشعب وكثر وصارت له مناهج وطرق مختلفة وعلوم القرآن بقي مصطلحاً على العلوم والبحوث التي تعرفنا بحقيقة القرآن الكريم وكيفية نزوله وجمعه وناسخه ومنسوخه وما إلى ذلك، فعلوم القرآن التي سندرسها - إن شاء الله - في هذه المحاضرات إنما هي التعريف بالقرآن كيف نزل؟ كيف جمع؟ كيف ضبط؟ كيف قسم؟ كيف كتب؟ كيف وصل إلينا؟ وما إلى ذلك وتفسير القرآن أصبح علماً مستقلاً بذاته بعد ذلك.
{ هل لدراسة مادة علوم القرآن أثر في حفظ القرآن الكريم ؟ }
لا شك أن دراسة علوم القرآن ترغب الإنسان في القرآن وتبين له معاني القرآن وتجلي له مراميه فيكون عند الإنسان رغبة في حفظ القرآن وفهم ما يقرأ ولا شك أن الإنسان إذا فهم ما يقرأ سهل عليه حفظه أما إذا قرأ شيئاً لا يفهمه فإن حفظه يكون عليه شديداً أو فيه شيء من العسر لكن نقول: ليس ضرورياً بمعنى أنه لا يمكن للإنسان أن يحفظ القرآن إلا بعد أن يتعلم علوم القرآن. لا.. هذا غير صحيح لكن الإنسان الذي يتعلم علوم القرآن يسهل عليه حفظه ، ويكون عنده شغف وشوق وهمة لتعلم وحفظ القرآن الكريم.
{نسمع من بعض العلماء القول بأن للقرآن في كل زمن عطاء مختلف فهل يعني هذا أن بعض كلام المفسرين المعاصرين لم يعلمه الصحابة الكرام والتابعين؟}
أما من جهة التفسير- أيها الأخ الكريم - فإن تفسير القرآن قد علمه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما علمهم إياه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز لنا أن نقول: إنهم قد خفي عليهم شيء من القرآن بان لنا نحن بعد أربعة عشر قرناً من الزمان فإن هذا لا يلزم منه خلو تلك الأعصار من قائم لله بالحجة، والقرآن- كما تعلم يا أخي- بَيِّن قال الله - سبحانه وتعالى-: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى﴾ [آل عمران: 138]، فهو بين ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 22]، لكن إذا أريد بهذا الكلام أنه قد يتجلى للإنسان من معاني القرآن وعطاءاته وفهومه بحسب نظره إليه وبحسب العصر الذي هو فيه مع أن معنى القرآن الذي نزل به هو معناه الذي كان عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفي عهد أصحابه فهذا لا بأس به يعني أن للناس الحق في أن يستنبطوا من القرآن ما شاءوا إذا كان منضبطاً بالضوابط العلمية ومنسجماً مع القواعد الشرعية وقد يستنبط عالم من آية في هذا الزمان حكماً شرعياً أو فائدة علمية أو تربوية أو غير ذلك لم يستنبطها من سبقوه لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون الذين سبقوا لم يعلموا ذلك الحكم الشرعي هم علموه بطريقة أخرى أو يكون بطريقة علموه لكن بطريقة أخرى أو علموه ولكن لم يبلغونا إياه ولا يجوز لمسلم أبداً أن يقول: أنا فهمت من هذه الآية ما لم يفهمه ابن عباس نقول أن الفهم الذي فهمه ابن عباس والفهم الذي فهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الفهم الذي ينبغي أن يفهم عليه كلام الله - سبحانه وتعالى - إنما أنت تفهم استنباطات من القرآن تفهم فوائد وأحكام إضافية من القرآن لا بأس بهذا أما أن يقول الإنسان: أنا فهمت شيئا لم يفهمه الناس من قبل فهذا لا يكون, ويرد على هذا أمر مهم جدا في هذا الميدان وهي ما يسمى بالإعجاز العلمي هل هذا الإعجاز العلمي فهم جديد للقرآن؟ ليس فهماً جديداً القرآن. الفهم الذي فهمه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو الذي يجب أن نفهمه في هذا الزمان وذلك الفهم هو الفهم الصحيح، هذه المكتشفات هي أشياء دل عليها القرآن الكريم ولا يمنع أن يدل القرآن على أشياء أيضا لم تأت بعدُ، لكن معنى الآية هو معنى الآية في الزمن الأول لم يتغير منه شيء فينبغي عليكم - أيها الإخوة المشاهدون- أن تفهموا هذه الحقيقة من أجل أن تعرفوا من أين نتلقى تفسير القرآن؟ نتلقى تفسير القرآن الكريم من ذلك الرعيل ومن ذلك الجيل. والله أعلم.
{نحن في بلاد الغرب وهناك دروس تقام للدعوة يطلب مني أحياناً وأنا دارسة لعلوم القرآن والتفسير أن أقوم بتقديم مواضيع حول تفسير كتاب الله- عز وجل- ولكنني أتمنع من ذلك وأرى أن كتاب الله -عز وجل- أعظم من أن نتحدث في تفسيره ولو كان نقلاً من الكتب وتبييناً للمعان